ما إن يذكر الاستبداد حتى يتبادر إلى الأذهان صور الحكام العرب وطغيانهم وما آل إليه مصير البعض منهم.. وننسى أو نتناسى أن الاستبداد بصوره المختلفة متأصل في ثقافتنا العربية لا من ناحية إيقاعه فقط وإنما أيضا قبوله وهضمه حتى أصبح متجذرا ومتأصلا فينا جميعا . رب الأسرة مستبد في أسرته يصادر آرائهم ويهضم حقوقهم , المدير مستبدا بإدارته يقمع موظفيه ويقرب من يسبح بحمده ويرفع من يقدس آرائه ووجهة نظره.. يخفض ويقصي ويعاقب ولا يجد من يحاسبه , أيضا الرئيس ووكيل الوزارة والوزير وهلم جرا ...... لكن السؤال لماذا الاستبداد حكرا وحصريا عند العرب؟؟ الجواب : كلا , كل البشر لديهم غريزة حب السيطرة والتحكم في أرقاب الناس وأرزاقهم ولكن....
من المعلوم في علم البيلوجيا أن البكتيريا والجراثيم لا تنموا إلا بوجود شرطين , الأول : الحرارة المعتد له , والثاني : وجود الرطوبة وعند فقدان أحداهما لا تنمو هذه الميكروبات , وبالمثل الاستبداد أيضا حتى ينمو وتبسق أوراقه لا بد من تحقق أيضا شرطين اثنين , الأول : غياب الدساتير والقوانين والأنظمة والأجهزة الرقابية التي تضبط عملية توزيع الصلاحيات والرقابة على ممارستها كما هو حاصل في الغرب , فالرئيس لديهم مجرد موظف يخضع للمراقبة والمسائلة وكذلك ما دونه وحتى رب الأسرة فليس هناك سلطة مطلقة ... أما الشرط الثاني : هو الاستعداد النفسي للإنسان العربي الذي يتقبل الخضوع والخنوع وأحيانا يستسيغه ويتلذذ به وهو الغالب والسائد للأسف ومن يقف عند مبادئه ويرفض الاستبداد يصبح خارجا عن المألوف ويعاديه الجميع وهذا الخلل النفسي والاجتماعي لدى الفرد العربي , بعكس نظيره الغربي , هو الذي يغري صاحب كل سلطة بأن يستبد ويطغى ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) غنيا بصلاحيات هائلة وغير محدودة ، غنيا بكثرة من ينافق له عن من يناصح له.....فلماذا لا يستبد !!!!! .