رحمكِ الله أيتها الخالة الغالية (هلالة العروج)
هلالة بنت عروج بن فهاد العروج من الرمال من شمر (أم بشيّر).. هذه المرأة في سيرتها لوحة من لوحات الإنسانية المشرقة، وسبيكة من سبائك العطف والرحمة، ومدرسة من مدارس صلة الرحم والبر والإحسان التي قل ماتجدها أو تراها في امرأةٍ قط..
تتمتع هذه المرأة (رحمها الله) برجاحة عقل وقوة شخصية .. وتمتلك نظرة ثاقبة.. لديها من الحكمة والحنكة والدهاء الشي الكثير والكثير ..
متدينة ومتمسكه بالمبادئ الاسلامية السمحة والعادات العربية الاصيلة فهي مع قوة شخصيتها وما تتصف به من صفات أخرى حسنة اكسبتها مكانةً إجتماعية مرموقة في مجتمعها المحيط بها إلا أنها مع هذا تملك من الإيثار والتواضع والخلق النبيل الشئ الكثير فهي على سبيل المثال لا تقبل أن تأخذ فنجال القهوة قبل الرجال حتى لو أنهم من ابناءها أو ابناء اخواتها أو من منهم يصغرونها سناً من اقاربها..
تمتلك اسلوباً روائياً من الطراز الأول فهي عندما تُريد سرد بعض القصص التي مرت عليها في حياتها أو بعض القصص القديمة التي تحفظها لا يجد من يستمع إليها بداً من الإنصات لها وإحضار جميع حواسه فهي متمكنة تمكناً باهراً من أدوات وأسلوب الرواية رغم أنها ليست متعلمة إلا أن هذا لا يُشكل عائقاً لها بل أن المستمع لها يكاد يُسلم بأنها قد دّرست الرواية والقصة في إحدى الجامعات المتخصصة في ذلك فهي في نظري جامعية وبمرتبة الشرف الاولى حصلت عليها من جامعة الحياة وتجاربها...
على الرغم من أن والديها (رحمهما الله) لم يعُش لهما أحداً من الابناء الذكور إلا أنها هي ابنهما الذي ولد بصورة امرأة فهي تتملك من الصفات النبيلة والاخلاق الرفيعة ما يمتكله أكابر الرجال.. وهي مدرسة من مدارس الرجولة والاخلاق النبيلة، ولقد تعلمتُ منها (رحمها الله) شخصياً أشياء كثيرة وأمور عدة ليس هذا المقام مقاماً لسردها..
تزوجت (رحمها الله) في أول حياتها بالشيخ عقله الصاروم (رحمه الله) من قبيلة بني صخر العريقة وأمضت معه حوالي تسع سنوات إلا أنه لم يُكتب لها الإنجاب منه، ثم تزوجت من إبن عمها العم فهد العقيلي (رحمه الله) وأنجبت منه ابناً لم يعش طويلاً جعله الله شفيعاً لها ولابيه.. ثم تزوجت من رجلاً هو مضربُ مثلاً في الامانة والنزاهة والتدين وسماحة الخلق هو العم مسلم ابن حسيكان من البي علي من غفيلة من شمر...
لقد انجبت من العم مسّلم (رحمه الله) من الابناء سبعة ابناء وابنتان وهم على قدرً من الاخلاق النبيلة والكرم والتواضع وسماحة الجانب والبر والاحسان وصلة الرحم، كبيرهم الأستاذ بشيّر (أبو أحمد) حفظه الله فلقد كان من قوة صلته لرحمه أنه كان في كل مناسبة لابد أن يزور اخواله في مدينة جبة رغم وعورة الطريق إنذاك وصعوبة السفر بين الجوف وجبة، ثم عبدالله (ابو عيد) (رحمه الله )فمحمد (ابو نايف) وهما كإخيهما (أبا أحمد) دماثة خُلقٍ وصلة رحمٍ وتواضعاً وسماحةً وكرمً وبشاشةً، ثم الدكتور طارش (ابو عبدالسلام) والذي كان وكيلاً لجامعة الجوف سابقاً فهذا الرجل يُعد مضربَ مثلاً في الكفاح والمثابرة والجد والاجتهاد فقد كان يدّرس في جامعة الملك سعود ويعمل في نفس الوقت حتى تخرج منها بتفوق رغم قلة ذات اليد وصعوبة الحياة إنذاك وعمل معيداً بالجامعة ثم اُبتعث للولايات المتحدة الإمريكية ليبدء قصة كفاح أخرى توجها بحصولة على درجة الماجستير ثم الدكتوراة وبتفوق ثم عاد إلى ارض الوطن حيث تم تعيينه رئيساً لقسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود ثم إنتقل للجوف ليبدء قصة كفاح ثالثة حيث يعود له الفضل بعد الله سبحانه في إنشاء وتأسيس جامعة الجوف فهو من مؤسسيها الأوئل ورجالها الافذاذ القلائل، ولا غرابة في ذلك فقد تربى بين اباً يُعد مثلاً في الامانة والاستقامة واماً هي هذه المربية الفاضلة والمدرسة العظيمة .. ثم ابناءها الاخرين البررة رجعان فخالد فسليمان وهم كإخوانهم علماً وخلقاً ورجولةً وأدباً.. كذلك فأن بناتها على قدرٍ عال من الاخلاق والستر والعفاف والبر وحسن التبعل لإزواجهن ومربيات قديرات لإبنائهن، فلا ضير ولا غرابة فهن ثمار تلك النخلة الوارفة المؤتيه لاكلها بأمر ربها كل وقتٍ وحين.
لقد كان لهذه المرأة المملوئة بالرحمة والحنان، والشفقة والاحسان (بعد الله سبحانه وتعالى) معروفاً وفضلاً كبيراً لا يُنسى على والدتنا اطال الله بعمرها ومتعها بالصحة والعافية وعلينا نحن ابناء وبنات اُختها فلقد تولت هي (رحمها الله) تربية والدتي والإهتمام بها من ذو الصغر حيث توفيت جدتي (رحمها الله) ووالدتي في عامها الثالث وكان جدي (رحمه الله) إنذاك كفيف البصر وليس له أبناء من الذكور كما ذكرت أنفاً فقامت هي (رحمها الله) بتولي مسئولية تربية اُختها الصغرى والقيام على شئونها حتى كبُرت وتزوجت، ثم بعد ذلك لا تزال تبرها وتتحسس اخبارها وتتلمس احتياجاتها فانني لم أذكر أن قدم إلينا أحداً من الجوف إلا وهو محملاً منها لنا بالهديا والملابس والنقود فلقد كان لذلك بالغ الأثر وطيب الذكرى في نفوسنا.... فلها منا (رحمها الله) خالص الدعاء وعظيم الشكر والإمتنان وجعل ما قدمته لنا ولغيرنا في موازين حسناتها..
لقد عمِلت هذه المرأة الكريمة عملاً لا يعمله إلا كرماء الرجال وأخوات الرجال فهي من حُبِها الجم لإهلها في مدينة جبة وحرصها على زيارتهم وشغفها لرؤيتهم ونظراً لوعورة الطريق وصعوبة المواصلات إنذاك فقد أقسمت على نفسها إن جعل الله طريقاً إسفلتياً بين جبة والجوف تستطيع من خلاله أن تُحقق رغبتها الجامحة بزيارة ورؤية اهلها أن تقوم بعمل مناسبة لذلك شكراً لله أن حقق امنيتها وحلمها، وعندما تم إنجاز طريق حائل الجوف السريع الحالي بفضل الله ثم بفضل حكومتنا الرشيدة أدام الله عزها وسؤددها أوفت (رحمها الله ) بوعدها وبرت بقسمها فأقامت مناسبة كبيرة جداً في موقع يسمى (مليح) على طريق حائل الجوف السريع وقريباً من مدينة الجوف دعت لها أهلها وكثيراً من أهالي جبة الكرام وأهالي مدينة قارا الافذاذ فكانت مناسبةً من المناسبات الخالدة التي لا تُنسى وقد ساعدها في ذلك ابناءها البررة أطال الله بعُمر حيهم ورحم من مات منهم فلقد وفوا وكفوا بارك الله لهم في مالهم وابنائهم، ولو كان لي من الأمر شيئاً لسميت هذا المكان بإسمها (رحمها الله).. ولقد قال العم طلال بن رميح العروج اطال الله بعمرهِ ومتعه بالصحة والعافية أبياتاً فيها وفي هذه المناسبة عندما ذكر طيب بعض نساء الرمال المعاصرات واللاتي كان لهن مواقف مميزة في الجود والكرم حيث قال فيها:
صلفة رقت بالجود قمة جبلها
بنت العبيكه له على الطيب نبراس
وهلالة العروج ذبحت جملها
على طريق الجوف وبه خذت نوماس
ونورة تبين طيبها في عملها
بنت ابن فارنً ودريوا بها الناس
الكل منهن تابعه درب اهلها
يشكرن والطيّب نحطه على الرأس
غفر الله لهذه المرأة الكريمة، والمدرسة العظيمة والنخلة الوارفة الضليلة، مغفرةً من عندهِ ورحمها رحمةً واسعةً وأسكنها فسيح جناته، وأمطر على قبرِها سحائب جودهِ وإحسانه، وفيض كرمهِ وامتنانه، وسقاهُ بعفوهِ وغفرانه، وجعلهُ روضة من رياض الجنان، لا حفرةًً من حُفرِ النيران. اللهم آمين يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين...
كتبه/ خالد بن محمد العقيلي الرمالي
يوم الخميس 2 رجب 1438
2