ظلت مدينة حائل (أو كما نخففها بقولنا: حايل) اسماً ثابتاً في الذاكرة البشرية ومتكرراً في دفتر التاريخ الإنساني. كثيرون يربطون هذه الشهرة باسم حاتم الطائي الكريم الذي ورّث خصلة الكرم لأبناء بلدته حتى اليوم. هي بلا شك ذكرى شخصية فريدة، حيكت حولها بعض الأساطير لأن أفعالها الحقيقية كانت تشبه الأساطير. لكن حايل، بجبالها ووديانها ظلت خزانة لكثير من حكايات العشق الألف ليلية لمن سكنوها أو فقط لمن مرّوا عليها فساكنوها.
لنستمع فقط إلى شهادتين فريدتين من «الخواجات» الكثر الذين زاروها استكشافاً أو تجسساً فهاموا في حبها، رغم قساوة مهماتهم.
يقول المستكشف الإنكليزي وليم بلغريف الذي زارها في العام 1862: «تقع مدينة حائل أمامنا، على بعد مسيرة ربع ساعة. وأوحت لنا المدينة بشيء من المعاصرة، بل وبشيء آخر من قبيل الأناقة غير المعتادة التي طالعتنا من قبل في القرى التي مررنا عليها. لكن الواضح أن حائل كانت مدينة بمعنى الكلمة، فضلاً عن أن مساحتها كانت تتسع لحوالي 300 ألف نسمة أو ما يزيد على ذلك، ولو أن شوارعها ومنازلها كانت متجاورة وقريبة من بعضها مثل شوارع بروكسيل وباريس، ومع ذلك فإن عدد سكان حائل لا يزيد في واقع الأمر على 20 أو 22 ألفاً، وذلك بفضل البساتين والساحات الكبيرة التي تدخل ضمن الأسوار الخارجية للمدينة».
ومن قبله تحدّث الرحالة الفنلندي جورج فالين بحميمية أكثر عن طباع أهلها، إثر زيارته لها في العام 1845، عقب زيارته لتركيا ومصر قبلها: «حينما قدِمْت إلى حائل دهشت كثيراً، ليس فقط لرؤيتي الصغار الذين تراوح أعمارهم بين 3 سنوات و12 سنة في مجالسة كبار السن، ومبادلتهم الحديث. لكن أيضاً أخذ رأيهم في مواضيع تفوق مستواهم، والاستماع إلى ما يقولونه باهتمام. ويعيش الصغار مع آبائهم في محبة وألفة، ولم أر في حائل تلك المشاهد الكريهة المألوفة في مصر لوالد حانق يضرب ابنه ولا رأيت الإذلال الذي يعانيه صغار الأتراك الذين لا يُسمح لهم أبداً بالجلوس أو حتى الكلام في حضرة آبائهم المتغطرسين، ولم أر في العالم كله أولاداً أكثر تعقلاً وأحسن خلقاً وأكثر إطاعة لآبائهم من الحائليين».
لم تغب حائل عن الحضور أبداً، وإن تفاوت حجمه، إلا أنها تعود اليوم مجدداً لحضورها الساطع من خلال دخولها الأسبوع الماضي لائحة التراث العالمي عبر تسجيل الرسوم الصخرية في موقعي جبّة وشويمس. هي نقوش صخرية عمرها قرابة 10 آلاف سنة، ما يؤكد المخزون التراثي والتاريخي العريق الذي تحظى به حائل وتتميز به المملكة العربية السعودية.
لقد شهدت بنفسي، في قاعة التصويت في مدينة بون، كيف عبّر أعضاء لجنة التراث العالمي بالإجماع عن شكرهم للمملكة على تقديمها هذا الموقع الفريد للتسجيل، معتبرين أن ذلك سيكون إثراء لخارطة التراث العالمي بهذه الرسومات التي تبدو كأنها متحف صخري في الصحراء. وقد ألحّ معظم المتحدثين على أهمية إثراء اللائحة العالمية بمثل هذه القطع النادرة من المخزون التراثي العريق لأرض الجزيرة العربية.
قلت لخبراء التراث إن حايل التي أنجبت حاتم الطائي وكريم سبلا ومعشّي الذيب ودغيم الظلماوي صاحب القصيدة الشهيرة: «يا كليب شب النار يا كليب شبه...»، وغيرهم من أيقونات الكرم في التاريخ القديم والحديث، إنها لن تبخل على لائحة التراث العالمي بأن تهب لها أسرار كنوزها ونقوشها الفريدة.
بعد أن انتهت عملية التصويت في القاعة البرلمانية الفاخرة في ألمانيا، سألني زميل أجنبي يتحدث العربية مستشكلاً: هل اسم المدينة حايل أم هايل hail كما هو مكتوب في النص الانكليزي؟ فرحت بالمفارقة اللفظية فقلت له: اسمها حايل وفعلها هايل!
رابط المقال في صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldr...-هايل.aspx
2